دعم الزراعة المحلية: قصة شركة بنغازي الخضراء

إن إحداث تغيير في المشهد الاقتصادي السائد ليس بالأمر السهل أبدًا، وخاصة في بلد مثل ليبيا التي لا يزال يعتمد اقتصادها على صادرات النفط والغاز. في عام 2022، شكلت الزراعة 1.6٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي لليبيا، مما يؤكد اعتماد البلاد الشديد على الموارد النفطية والقطاع العام، لكن منصور الحمري رأى فرصة لتغيير ذلك. في عام 2023، أسس “بنغازي الخضراء”، وهو مشروع زراعي مائي يركز على توفير الخضروات الطازجة والعضوية والحد من اعتماد ليبيا على المنتجات المستوردة وهو ما يراه منصور خللاً في السوق الزراعي الليبي، حيث أشار إلى أن “معظم الخضروات يتم استيرادها من الخارج، ومع ذلك ما زلنا غير قادرين على تلبية الطلب المحلي”.

بدأت قصة “بنغازي الخضراء” في عام 2018، خلال فترة صعبة في بنغازي اتسمت بعدم الاستقرار كما يروي منصور قائلاً “لقد كان وقتًا عصيبًا. كنا نفتقر إلى الاستقرار الذي نحتاجه لتأسيس مشروعنا، واستغرق الأمر شهورًا وسنوات من المحاولات للبدء”. بعد أربع سنوات من التجارب، نجح منصور وفريقه في توزيع أول دفعة من الخضروات الخالية من المبيدات الحشرية على المطاعم المحلية في عام 2023 والتي لاقت استحساناً كبيراً من التجار والزبائن.

ومع نجاح منتجاتهم في السوق، أدرك منصور الحاجة إلى تحويل “بنغازي الخضراء” إلى شركة قائمة، لكنه كان يبحث عن طريقة لاكتساب المعرفة والمهارات اللازمة لتحقيق ذلك، وهنا جاءت نقطة التحول الحاسمة عندما اكتشف منصور وفريقه حاضنة أعمال أساريا، وهي مركز مقره بنغازي تم إنشاؤه ضمن برنامج Libya Startup. تهدف هذه المبادرة، التي يمولها الاتحاد الأوروبي ويشارك في تنفيذها SPARK وSuper Novae، إلى بناء نظام بيئي ديناميكي للشركات الناشئة من خلال تعزيز بيئة ريادة الأعمال، وتمكين الرواد من اكتساب الخبرة التجارية، والوصول إلى الموارد المالية.

وفر برنامج الحاضنة الشامل لـ “بنغازي الخضراء” التدريب والتوجيه الأساسيين، بما في ذلك إدارة الأعمال والتخطيط المالي واستراتيجيات التسويق. قال منصور: “جعلنا البرنامج نفكر بعقلية رجال الأعمال”. “لقد غطى كل جانب من جوانب إدارة الأعمال، من إنشاء الفريق إلى التسويق والإدارة المالية والقانونية”.

بحلول نهاية فترة التدريب في الحاضنة، كانت شركة “بنغازي الخضراء” واحدة من 21 شركة ناشئة تتنافس على جوائز مالية بلغت إجمالاً 100 ألف يورو لتمويل مشاريعهم. عقب منافسة تخللها عروض تقديمية للشركات، نالت شركة “بنغازي الخضراء” المركز الثاني في المسابقة لتفوز بمنحة قدرها 20 ألف يورو. في معرض حديثه عن الإنجاز الذي حققه، قال منصور: “هذا سيساعدنا على المضي قدمًا بشكل أكثر فعالية”، وأوضح أن التمويل سيسمح لهم بتوسيع نطاق عملياتهم والانتقال من مشروع صغير إلى مشروع متوسط الحجم.

عقب مشاركة ناجحة في المسابقة تُوِّجت بالفوز، واصل برنامج Libya Startup دعم شركة “بنغازي الخضراء” في رحلتها نحو التطور حيث قدم البرنامج دعوة لهذه الشركة وغيرها للمشاركة في معرض مينا للغذاء والزراعة في سبتمبر 2024. ركز هذا المعرض على عرض الابتكارات الحديثة في صناعة الغذاء، ووفر لشركة “بنغازي الخضراء” فرصة قيّمة للتواصل مع الموردين والمتخصصين في الصناعة من ليبيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لم يسمح الحدث للشركة باكتساب نظرة ثاقبة لتوجهات الأسواق الناشئة فحسب، بل قدم أيضًا فرصًا لتشكيل شراكات استراتيجية، مما ساعدهم على توسيع نطاقها داخل قطاع الغذاء والزراعة.

يكمن سر نجاح “بنغازي الخضراء” في تقنيات الزراعة المائية المستدامة التي تُعد الركيزة الأساسية لجودة منتجاتها، حيث تحدث عنها مدير العمليات والجودة توفيق الأوجلي عن عملية الإنتاج قائلاً: “يبدأ الإنتاج بالشتلة، وبمجرد أن تصبح الشتلات جاهزة، نقوم بنقلها بعناية في أكواب زراعية مجهزة بمحلول مغذي، ونراقب نموها يوميًا. ولا نستخدم أي مبيدات حشرية – محاصيلنا عضوية بالكامل. والنتائج تتحدث عن نفسها، مع جذور بيضاء وصحية وأوراق نابضة بالحياة”. أشار توفيق إلى أن Green Benghazi أنتجت حوالي 20 نوعًا من الخس الأوروبي والأمريكي وقد نالت جميعها نجاحًا كبيرًا في السوق.

يأمل منصور وفريقه بتوسيع الإنتاج مستقبلاً بفضل الدعم الذي قدمه برنامج Libya Startup حيث قال: “لدينا خطة واضحة مبنية على أسس استراتيجية. إن ما يحفزنا هو أننا نملك منتجاً يحظى باستحسان الجميع، بالإضافة إلى أن إيمان عائلاتنا بقدرتنا على النجاح، ولدينا آمال كبيرة في التأثير الذي يمكن أن نحدثه في القطاع الزراعي”.

من خلال ربط الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بالموارد الحيوية وخلق فرص النمو من خلال مبادرات مثل برنامج Libya Startup، تساعد SPARK الشركات الصغيرة مثل “بنغازي الخضراء” على التوسع لتساهم ازدهار المجتمعات المحلية. بشغفٍ متقد وخطوات ثابتة، أصبح منصور وفريقه على استعداد لمواصلة رحلتهم، ودفع التغيير الإيجابي نحو اقتصادٍ ليبيٍّ أكثر تنوعًا واستدامة.